بريد الجمعة يكتبه: خــيرى رمضـان
اليتيم والحزن!
سيدي أكتب إليك وأنا في حالة من الحزن العميق بسبب اختي الوحيدة, نشأتنا كانت نشأة متدينة ومغلقة في احدي دول الخليج في أسرة ميسورة بين اب فاضل طيب وأم مكافحة,
المشكلة بدأت عندما بلغت أختي سن الزواج وبدأ العرسان يطرقون الباب فهي علي مستوي عال من الجمال والأخلاق والتعليم احدي كليات القمة قدر لها أن تتزوج من احدي الشخصيات المرموقة علميا وسافرت معه إلي الخارج في بعثة علمية بعد الزواج الذي تم رغم مضايقات والد الزوج عنيف الطباع سليط اللسان, عاشت حياة سعيدة بالخارج كانت تخبرني بأن احدا لم ير السعادة مثلها ورزقها الله بحمل من زوجها, ولكن هذه السعادة لم تدم سوي خمسة أشهر واكتشفت بعدها الصاعقة ان زوجها الطيب الحنون مريض بالسرطان, وان له سابقة مرض قبل الزواج ولكنه لم يخبرها لأنه كان متفائلا بأنه شفي تماما رغم تحذيرات الأطباء له بالكشف المتكرر لتفادي احتمالية رجوع المرض, قدرت اختي الموقف, واقسم لك ياسيدي انها لم تلمه للحظة وظلت تلح بالدعاء والصدقات ولكن ارادة الله فوق كل شيء فكانت نتيجة الأشهر الخمسة طفلا فارق ابوه الحياة عندما تم عامه الأول, وبعدما قاست أختي رحلة علاج صعبة في ظل تسلط اعمي من والد الزوج الذي فرق بينهما, فحرم عليها حتي النوم الي جواره فهو الحاكم الآمر الناهي في كل امور الحياة وصعوبات اخري لا يسع الوقت لذكرها, ظن الجميع أن الدنيا ستعطيها ولو حتي جزءا من السعادة التي سلبتها منها جزاء صبرها واحتسابها, فبعد وفاة زوجها خرجت من الأحزان إلي العمل ولم يرحمها جد يتيمها فرفع عليها كثيرا من القضايا لرؤية الصغير الذي ابدا لم تمنعه عنه ومنعها من شقة الزوجية, وخلال تلك الفترة لم يسأل علي أرملة ابنه ولا حتي حفيده اليتيم بل فقط كان جرس الباب لا يدق إلا بالمحضرين ليبلغوا أختي بمواعيد القضايا المرفوعة ضدها, وفي خضم هذه الاشكالات تقدم لخطبتها الكثيرون ولكنها اختارت من يقبل بابنها لأنها تبحث عن أب لابنها وتمت الزيجة من زوجها الثاني علي هذا الأساس, فهو مطلق بلا أولاد بسبب بعض المشاكل النفسية, كان يعمل مهندسا في احدي شركات البترول واقيل من العمل بعد اشهر من الزواج بسبب مشكلات مالية تخص الشركة.
كانت الامور تسير ما بين شد وجذب خلال فترة زواجها الثاني بسبب اختلاف الطباع فهو انطوائي غير محب للناس ولا للعمل حيث انه لم يقبل بأي عمل نهائيا بعد اقالته رغم توافر عدة فرص حقيقية ومغرية علي مدي ما يقرب العام, وانا اشهد له انه كان يعامل ابن اختي اليتيم احسن معاملة كما لو كان ابنه لاسيما انه حرم من الانجاب سابقا بسبب بعض المشكلات كما ذكرت, اما اختي هي الاخري فكانت تحسن معاملة اهله جدا فلم تدخر جهدا في خدمتهم وارضائهم, اما عن جد اليتيم فلم ترد اختي إخباره تحسبا لما قد يحدث منه بابعاد ابنها عنها.
رزقها الله من زواجها الثاني طفلة جميلة وحدث مالم نكن نتوقع حيث رفض اهل زوج الثاني تماما وجود الولد ونقضوا العهد ونسوا ان خير بيت من بيوت المسلمين بيت فيه يتيم يحسن اليه علي الرغم من أن اليتيم ينفق من ماله الخاص وعندما عارضت وذكرتهم بأنه شرط من شروط الزواج انهالوا عليها باتهامات ظالمة افظعها انهم اتهموها بالسرقة بدون ادني رد أو معارضة من الزوج وكأن الأمر لا يعنيه, الأمر الذي نزل كالصاعقة علي أبي اثناء المجلس العرفي, وتم الاتفاق علي أن الفيصل هو حلف اليمين الغموس الذي ليس له كفارة لاظهار براءة اختي وتحدد الميعاد ولكن اختي فقط هي التي حلفت, واما أبو وأم الزوج اصحاب الاتهام فلم يحلفا والزوج لم يحضر اصلا بل وقف علي بعد كيلومترات من المسجد الذي تم فيه الحلف دون ادني موقف تجاه زوجته التي ظلمت ووضعت في موقف لا تحسد عليه أمام اهلها والحاضرين, وبعد هذا الموقف ظلت اختي في بيتنا لعدة أشهر بلا سؤال منه, ولا من اهله ولا حتي علي ابنتهم الرضيعة سوي بعض الرسائل أو رنات الموبايل من اختي بلا أي رد منه وعندما تدخل الوسطاء كمبادرة من طرفنا لوضع نهاية لما يحدث كان رد والده بنفس اللفظ قلنا للحرامي احلف قال جالك الفرج اصرارا منهم علي الاتهام ويعلم الله براءتها, فذهبت اختي الي المحكمة تطالب بنفقة للصغيرة لعلها تحرك منهم ساكنا, ورد هو الآخر بقضية رؤية وبعدها تمت تسوية النزاع وديا في محكمة الاسرة بدلا من أن تأخذ الشكل القانوني, فتنازلت اختي عن قضية النفقة رسميا اما هو فظل محتفظا بقضيته وهو الأمر الذي اكتشفناه لاحقا رغم انه عندما سألته اختي أكد لها ان كل شئ قد انتهي, ورجعت اختي لتكمل الحياة بدون ادني رد لكرامتها حيث لم ينطق بكلمة انصاف واحدة امام ابيه في المحكمة, استعطفها فقط بالدموع التي ملأت عينيه عندما انفرد بها وانه لا يستطيع أن يحيا بدونها ووعدها بأنها لن تحرم من ابنها وان كل ما عليها ان تكبره امام اهله وتعود معه إلي بيتها في نفس اليوم الذي قابلها فيه في المحكمة, اما عن ابنها فتتركه مؤقتا لمدة شهر عند امي الحاضنة له الي حين ان تهدأ الامور, وامي هي الاخري اقسمت بان الولد لن يعيش معهم لآخر العمر لانها تعلم برفض الاهل لليتيم وهي تحبه حبا جما ويحظي عندها بقدر كبير من الحنان, ورجعت اختي الي بيتها رغبة منها في استكمال الحياة مع طفليها دون اي اعتبارات أخري.
وتحديدا في اليوم الرابع من رجوعها فوجئنا بمكالمة عنيفة اللهجة من جد اليتيم مضمونها ان والد الزوج الثاني اخبره بالزواج, وبالتالي يحرم علي حفيده العيش مع امه لانها تزوجت, وبناء علي ذلك الابن تحرم عليه امه بأمر جده, وبمواجهة الزوج اتضح انه ليس لديه علم بفعلة ابيه ولكن كالعادة لم يستطع أن يواجه أباه لماذا فعل هذا, لكنه كان يعاملها احسن معاملة لرغبته الشديدة في استكمال الحياة وألحت أختي علي زوجها لكي تري طفلها الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات ونصف السنة ولكنه كان يعتذر وينصحها بالصبر وأن الوقت غير مناسب, وفي اليوم الذي رأت فيه ابنها لمدة خمس دقائق في الشارع تحت بيتها ظل يبكي ويقول انا عايزك ياماما انا عايز اطلع معاك وخرج من بين احضانها وهو يبكي بحرقة مما اثار شعور الأمومة المتفجر بداخلها فلم يكن من الام الحائرة إلا ان تفر من المنزل هاربة لتري طفلها مقررة الانفصال بالطلاق ولكنها سرعان ما ترددت في قرارها بعد مكالمة بكاء منه, ورغم اعتراف اختي لزوجها بأن خروجها من بيتها بهذه الطريقة خطأ فادح في عدة مكالمات تمت بينهما إلا انه سرعان ما اقام عليها دعوي طاعة, هذا بالاضافة إلي قضية الرؤية السابقة, ومع كل هذا ذهبت اختي تطرق باب محامي زوجها لتسأله ان تكمل بالمعروف أو تنفصل بالاحسان فاخبرها أن زوجها اتخذ موقفا تجاه اهله فسحبوا منه مفاتيح السيارة وقاطعهم.
سيدي.. اختي في حالة من الضياع, زوجها يقول انه متمسك بها وبابنها وبالحياة إلي آخر يوم في عمره ولكنه دائما لا يفي بوعوده فليس لديه القدرة علي ان ينفذ وعدا قطعه علي نفسه في ظل تسلط الأهل, واختي هي الاخري تريد الرجوع بشروط وهي ان يعمل ويعتمد علي نفسه وألا يحرمها من ابنها ويستقل عن اهله يصلهم صلة الرحم الواجبةبدون تدخل منهم وإلا فلا!
هي الآن تحارب في ثلاث جبهات جبهة جد اليتيم, أهل الزوج, وأمي, في ظل ضعف شديد من الزوج تساؤلات كثيرة بداخلها: هل تقبل ان تعيش مع هذا الزوج! وأين الامان مع زوج ابقي علي القضايا حتي بعد الصلح أو من أهله الذين نكصوا العهود, وهل من العدل ان تقبل بزوج بلا عمل لتنشأ ابنتها بين اب وأم ويبقي ابنها بلا اب ولا أم وما هو مصير هذا الطفل اذا توفي الاجداد!
واذا قررت الانفصال هل تستطيع أن تواجه الحياة بطفلين بمفردها بلا سند سوي الله.
سيدي.. اختي الآن اصبحت خائفة من كل شئ في حياتها لاسيما انها اصلا ذات شخصية مسالمة حسنة النية إلي ابعد درجة, رومانسية تحتاج دائما إلي حنان وعطف, سيدي انا اخشي عليها اذا قدر لها الحياة بمفردها فمن سيقبل بامرأة بطفلين علي الرغم من صغر سنها وجمالها, ولك ان تعلم انه كما ان فترة زواجها الأول لم تدم طويلا فان فترة زواجها الثاني لم تدم سوي سنة وشهرين.
سيدي اعتذر عن الاطالة وأرجو ان ترد في اقرب فرصة لان القرار سيعتمد علي رأيك بصورة كبيرة.
{{ سيدي.. هذا النوع من المشكلات يضع الإنسان في مأزق, فالرأي هنا مسئولية.. والرأي هنا قد يتعاطف مع مسيرة وشخصية شقيقتك الوديعة المسالمة, وغير المحظوظة في اختياراتها, فينصحها بالنجاة بنفسها من تلك الحياة البائسة خاصة أن المؤشرات لاتنبئ بتغير الأحوال.. وقد يحكم عليها ـ الرائي والناصح ـ بالشقاء عندما يطلب منها أن تستمر مع زوجها من أجل طفليها, ولكني سأحاول أن أتجرد وأنا أشارككم التفكير, وسأنتهزها فرصة للتوقف أولا أمام اختيار شريك الحياة, فما يحدث مع شقيقتك في زيجتيها يكشف عن عدم السؤال والتخير والتعجل, فكثيرمن الأبناء خاصة البنات, يغفلون ـ بمشاركة الأهل ـ التأكد من صفات وطباع أهل العريس أو العروس, استنادا إلي أنهم لن يعيشوا معهما, ولكن تجارب الحياة ومحنها تعلمنا ونحن نعانق الزهرة أو نصطحبها في بيوتنا وقلوبنا أن نتأكد من صفاء أوراقها من الشوك أو اعوجاج العود, فإن لم يكن العرق دساس فإن سوءات هذا العرق ستمتد حتما إلي شركاء الحياة.
سيدي.. والخطاب هنا إلي شقيقتك, لا يجوز لي توجيه لوم أو عتاب إلي زوجها الراحل لأنه اخفي عنها حقيقة مرضه, ولكنها أيضا فرصة لتأكيد حق الطرف الآخر في معرفة كل شيء يخص صحة وتاريخ شريكه قبل الموافقة علي الزواج, فلو كان الراحل قد أخبر زوجته بحقيقة مرضه ـ ولا اعتقد أنها كانت ستغير رأيها ـ لاهتمت به وتابعت حالته, حتي وإن رفضت فهذا حقها.
سيدتي.. كررت أخطاءك في الزيجة الثانية, ربما لضعف خبرتك في الحياة وطيبة أهلك الكرام, فتزوجت من رجل انطوائي, ضغيف الشخصية, تاركا قيادته لوالده, وها هي النتيجة, مولود جديد وصراعات ومحاكم واتهامات.
سيدتي.. الطلاق الآن لن يوفر لك راحة البال, وستعيشين في صراع دام مع جد يتيمك, وزوجك وأسرته.. ويبدو من الحكي أن زوجك طيب القلب, محب, بدليل حسن معاملته لابنك قبل أن تتدخل أسرته هذا التدخل السافر والقاسي, فحاولي أن تستميليه وتشجعيه علي العمل, لأن جلوسه في البيوت واعتماده المادي علي أهله, أحد الأسباب الرئيسية لضعفه أمامهم, أعرف أن هذا ليس بالأمر اليسير, ولكنه الخيار الأفضل لك ولطفليك, وفي الوقت نفسه, أذكر زوجك بمسئوليته عنك وبما يجنيه من رضا الله عليه ورحمته به عندما يرفق بك ويراعيك أنت وطفلك اليتيم الذي قد يكون سببا كريما من الله سبحانه وتعالي لدخوله الجنة.
ولعلها تكون فرصة لمخاطبة قلب جد اليتيم الذي لن يكون سعيدا وحفيده ووالدته في حزن وشقاء وقلق.. هل يسعده أن يغرس في قلب الصغير حقدا وكراهية؟. هل بعد رحيله ـ أطال الله في عمره ـ يحب أن تصبح ذكراه مدعاة للحزن, أم فرصة للمحبة والدعاء له؟!.
ونفس الأسئلة أطرحها علي والدي الزوج الحالي.. فما فات أكبر بكثير مما هو آت, فلا تظلما ابنكما بضعفه الإنساني والمادي, وثقا بأن سعادته واستقراره, سعادة وفرح لكما.
سيدتي.. حاولي مرة أخري, استعيدي صبرك وأحيطي زوجك بمحبتك وحنانك, تجاوزي عن أخطاء أهله في حقك.. لا تجعلي الطلاق سيفا مصلتا علي رقبته طوال الوقت, فلا تشعريه بأنه قد يخسرك أهله ثم يخسرك, كوني عونا له علي نفسه وعليهم, استثمري حبه لك ورحمته بيتيمك في اجتذابه وتحريضه علي العمل.
ولا يبقي لي وللقراء إلا الدعاء لك بأن تعيشي مع طفليك في سعادة تعوضك عن الشقاء الذي عشته.. وإلي لقاء بإذن الله.