بسم الله الرحمن الرحيم
قالت حليمة: فلما وضعته في حضني لأرضعه, أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن, فأرضعته وأرضعت أخاه, ثم ناما, وما كنا ننام قبل ذلك. ثم قام زوجي إلى ناقتنا, وإذا بها قد امتلأت ضروعها لبناً, فحلب منها وشربنا حتى ارتوينا, فبتنا بخير ليلة, فقال لي: يا حليمة, والله لقد أخذت طفلاً مباركاً. فقلت: والله إني لأرجو ذلك.
قالت: فلما أردنا الرجوع, خرجت فركبتُ أتاني, وحملت محمداً معي, وإذا بالأتان تسرع حتى تسبق الرَّكب, فجعلت النساء يقلن لي: يا حليمة, اربعي علينا, أليست هذه أتانك التي قدمتِ عليها؟ قلت: بلى والله, إنها هي. فقلن: والله إن لها لشأناً.
قالت: ثم قدمنا منازلنا من ديار بني سعد, وليس فيها عشب تأكله الغنم, فكانت غنمي بعد ذلك تعود وقد شبعت وامتلأت ضروعها لبناً, وتعود غنم القوم هزيلة, ليس فيها قطرة لبن, فكان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانِهم: ويلكم, اسرحوا حيث يسرح راعي حليمة.
وهكذا كانت البركة تتوالى على حليمة وأهل بيتها, وبقي رسول الله عندها عامين كاملين, ثم فطمته وردته إلى أمه.
رجوع حليمة به إلى مكة
رجعت حليمة بمحمد إلى أمه في مكة, وهناك أقنعت أمه أن ترده ليبقى معها حتى يقوى ويشتد عوده, فوافقت أمه, وعادت به حليمة ثانية إلى ديار بني سعد.
بقي الرسول في بني سعد حتى بلغ من العمر أربع سنوات, وخلال تلك المدة حدثت له حادثة شق الصدر.
حادثة شق الصدر
كان محمد يلعب مع الغلمان, ومعهم بَهْمٌ يرعونها, فجاءه رجلان عليهما ثياب بيض, فأخذاه فشقّا بطنه واستخرجا قلبه, فأخرجا منه علقةً سوداء, وغسلاه بماء وثلج كان معهما في طست, ثم لأَماه وردّاه كما كان.
وكان أخوه يلعب معه, فلما رأى ذلك ذهب إلى أمه وأبيه فأخبرهما بما جرى لمحمد, فجاءا فوجداه قد تغير لونه, فسألاه: ما بك يا بُني؟ قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض, فأضجعاني وشقّا بطني, فأخرجا منه شيئاً, ثم لأَماه كما كان.
رجعت حليمة وزوجها بمحمد إلى البيت, فقال لها زوجها: أخشى على هذا الغلام أن يصيبه شر أو مكروه, فلنردّه إلى أهله.
__________________
العيشُ ماض ٍ فأكرم والديكَ به *** والأمُ أولى بإكرام ٍ وإحسان ِ
وحسبها الحملُ والإرضاعُ تدمنهُ *** أمران ِ بالفضل ِ نالا كل إنسان ِ