سَمّرْ المنصور الخليفة العباسى ذات ليلة ، فذكر خلفاء بنى أمية وسيرتهم ، وأنهم لم يزالوا على إستقامة حتى أفضى أمرهم إلى أبنائهم ، فكان همهم فى عظيم شأن المُلك وجلالة قدره قصد الشهوات وإيثار اللذات والدخول فى معاصى الله ومساخطه جهلا ً منهم باستدراج الله تعالى وأمنا ًمن مكره تعالى ، فسلبهم المُلك والعز ونقل عنهم النعمة .
فقال له صالح بن على : " يا أمير المؤمنين ، إن عبيد الله بن مروان لما دخل النوبة هاربا ً فيمن اتبعه ، سأله ملك النوبة عنهم فأخبره ، فركب إلى عبيد الله فكلمه بكلام عجيب فى هذا النحو لا أحفظه ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يدعو به من الحبس بحضرتنا فى هذه الليلة ويسأله عن ذلك ..؟ "
فأمر المنصور بإحضاره وسأله عن القصة فقال : " يا أمير المؤمنين قدمت أرض النوبة بأثاث سُلم ليّ ، فافترشته بها ، وأقمت ثلاثا ً ، فأتانيّ ملك النوبة ، وقد اُخبر أمرنا فدخل عليّ رجل طوال أقنى حسن الوجه فقعد على الأرض ولم يقرب الثياب " فقلت : " مامنعك أن تقعد على ثيابنا ؟ " ،
فقال : " إنى ملك ، وحق لكل ملك أن يتواضع لعظمة الله إذا رفعه الله " .
ثم قال : " لِمَ تشربون الخمر وهى محرمة عليكم فى كتابكم ؟
" قلت : " اجترأ على ذلك عبيدنا وأتباعنا بجهلهم " ، فقال :
" فلِمَ تطأون الزرع بدوابكم والفساد محرم عليكم ؟ " ، قلت :
" فعل ذلك عبيدنا وأتباعنا بجهلهم " ، قال : " فلِمَ تلبسون الديباج والذهب والحرير وهو محرم عليكم فى كتابكم ؟ " ، قلت : " ذهب منا المُلك وانتصرنا بقوم من العجم دخلوا ديننا فلبسوا ذلك على كُره منا " .
فأطرق ينكت بيده الأرض ويقول " عبيدنا وأتباعنا ، وأعاجم دخلوا ديننا " ، ثم رفع رأسه إليّ وقال " ليس كما ذكرت ، بل أنتم استحللتم ماحرم الله عليكم وأتيتم ما عنه نـُهيتم ، وظلمتم فيما ملكتم فسلبكم الله العز وألبسكم الذل بذنوبكم ، ولله نقمة لم تبلغ غايتها فيكم وأنا خائف أن يحل بكم العذاب وأنتم ببلدى فينالنيّ معكم ، وإنما الضيافة ثلاث فتزود ما احتجت إليه وارتحل عن أرضى ".