ابن تيمية
الإمام ابن تيمية العالم المجاهدحمل قلمه وسيفه للجهاد في سبيل الله فالقلم جاهد به الفلاسفة الملحدين، أما السيف فقد جاهد به التتار، ولم يكتف الإمام ابن تيمية على ذلك بل جاهد بلسانه أيضاً ضد الحكام الجائرين ووقف ليقول كلمة حق عند سلطان جائر.
النسب والقبيلة
تقي الدين أبو العباس أحمد بن شيخنا الإمام العلامة المفتي شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم بن الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم محمد بن الخضر بن محمد ابن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني ثم الدمشقي.
مولده والبلد التي عاش فيها
كان مولده يوم الاثنين عاشر ربيع الأول بحران سنة إحدى وستين وستمائة وقدم مع والده وأهله إلى دمشق وهو صغير.
جهاده وأهم المعارك ودوره فيها
أخبر غير واحد أن الشيخ كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهاد يكون بينهم واقيتهم وقطب ثباتهم إن رأى من بعضهم هلعا أو رقة أو جبانة شجعه وثبته وبشره ووعده بالنصر والظفر والغنيمة وبين له فضل الجهاد والمجاهدين وإنزال الله عليهم السكينة.
وكان إذا ركب الخيل يتحنك ويجول في العدو كأعظم الشجعان ويقوم كأثبت الفرسان ويكبر تكبيرا انكى في العدو.
وحدثوا انهم رأوا منه في فتح عكة امورا من الشجاعة يعجز الواصف عن وصفها
قالوا ولقد كان السبب في تملك المسلمين إياها بفعله ومشورته وحسن نظره.
وعن شجاعة الشيخ وبأسه عند قتال الكفار يقول أمير من أمراء الشام ذو دين متين وصدق لهجة معروف في الدولة قال قال لي الشيخ يوم اللقاء ونحن بمرج الصفر وقد تراءى الجمعان يا فلان أوقفني موقف الموت، قال فسقته إلى مقابلة العدو وهم منحدرون كالسيل تلوح أسلحتهم من تحت الغبار المنعقد عليهم.
ثم قلت له يا سيدي هذا موقف الموت وهذا العدو قد أقبل تحت هذه الغبرة المنعقدة فدونك وما تريد قال فرفع طرفه إلى السماء وأشخص بصره وحرك شفتيه طويلا ثم انبعث وأقدم على القتال وأما أنا فخيل إلي أنه دعا عليهم وأن دعاءه استجيب منه في تلك الساعة قال ثم حال القتال بيننا والالتحام وما عدت رأيته حتى فتح الله ونصر وانحاز التتار إلى جبل صغير عصموا نفوسهم به من سيوف المسلمين تلك الساعة وكان آخر النهار قال وإذا أنا بالشيخ وأخيه يصيحان بأعلى صوتيهما تحريضا على القتال وتخويفا للناس من الفرار
فقلت يا سيدي لك البشارة بالنصر فإنه قد فتح الله ونصر وها هم التتار محصورون بهذا السفح وفي غد إن شاء الله تعالى يؤخذون عن آخرهم
قال فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله ودعا لي في ذلك الموطن دعاء وجدت بركته في ذلك الوقت وبعده.
معركة شقحب
لقد أبلى الإمام ابن تيمية في الجهاد بلاءً حسناً ومن أهم المعارك التي أبل فيها تلك المعركة التي ندبه العسكر الشامي أن يسير الى السلطان يستحثه على السير الى دمشق فسار اليه فحثه على المجيء إلى دمشق بعد ان كاد يرجع الى مصر فجاء هو وإياه جميعا فسأله السلطان ان يقف معه في معركة القتال فقال له الشيخ السنة ان يقف الرجل تحت راية قومه ونحن من جيش الشام لا نقف الا معهم وحرض السلطان على القتال وبشره بالنصر وجعل يحلف بالله الله لا إله إلا هو إنكم منصورون عليهم في هذه المرة فيقول له الأمراء قل إن شاء الله فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا وأفتى الناس بالفطر مدة قتالهم وأفطر هو أيضا وكان يدور على الأجناد والأمراء فيأكل من شيء معه في يده ليعلمهم أن إفطارهم ليتقوا وعلى القتال أفضل فيأكل الناس وكان يتأول في الشاميين قوله إنكم ملاقوا العدو غدا والفطر أقوى لكم فعزم عليهم في الفطر عام الفتح كما في حديث أبي سعيد الخدري.
قالوا عنه
قال صاحب العلام العلية كان من أشجع الناس وأقواهم قلبا ما رأيت أحدا أثبت جأشا منه ولا أعظم عناء في جهاد العدو منه كان يجاهد في سبيل الله بقلبه ولسانه ويده ولا يخاف في الله لؤمة لائم.
كان من بحور العلم ومن الأذكياء المعدودين والزهاد الأفراد والشجعان الكبار والكرماء الأجواد
وفاته
توفي ابن تيمية في شهر ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وقد اتفق موته في سحر ليلة الاثنين فذكر ذلك مؤذن القلعة على المنارة بها وتكلم بها الحراس على الأبرجة فما أصبح الناس إلا وقد تسامعوا بهذا الخطب الجسيم فبادر الناس إلى الاجتماع حول القلعة من كل مكان أمكنهم المجيء منه حتى من الغوطة والمرج ولم يطبخ أهل الأسواق شيئا ولا فتحوا كثيرا من الدكاكين التي من شأنها أن تفتح أوائل النهار على العادة وكان نائب السلطة قد ذهب يتصيد في بعض الأمكنة ثم ذكر ابن كثير صفة غسله وحمله والصلاة عليه والناس في بكاء وتهليل في مخافة كل واحد في نفسه وفي ثناء وتأسف والنساء فوق الأسطحة من هناك إلى المقبرة يبكين ويترحمن، وكان يوما مشهودا لم يعهد مثله بدمشق ولا يمكن أحد حصر من حضر الجنازة.
وهكذا مضت حياة ابن تيمية بعد أن عاش مجاهدًا بلسانه وبقلمه وبيده، ليلحق بركب المجاهدين في الجنة، ويكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.