مستقبل القدس
إن مأساة القدس هي جزء من المأساة الفلسطينية، فنحن نواجه في القدس، كما في كل فلسطين غزواً استيطانياً فريداً، ويبدو من الواضح استحالة الوصول إلى تسوية بشأن القدس دون الوصول إلى تسوية لسائر أجزاء فلسطين، ولكن نظراً لمكانة القدس لدى أصحاب الديانات الثلاث فهي تشكل العمود الفقري للسلام في المنطقة.
وفي الآونة الأخيرة كثر الحديث عن القدس ليس لكونها عاصمة روحية، بل عن مصير القدس، وهل يمكن أن تعود عربية، أم عربية (إسرائيلية)، أم سوف تصبح دولية، أم تبقى (إسرائيلية)؟ وهناك تصلب في المواقف وفرضيات كثيرة.ولكن هناك فرضية رئيسية تكمن خلف أي حل للقدس، وهو أنها جزء من فلسطين، وأن أي حل لمستقبل فلسطين لابد أن تثار فيه مسألة القدس وترفض وجهة النظر العربية القبول بأي حل أو تسوية لو لم تتضمن إعادة القدس إلى وضعها السابق (أي قبل 1967)، ويلتقي هذا الرأي مع وجهة نظر كثير من دول العالم التي تتمسك بالقرارات الدولية وتقيم وزناً لها.
وتتمسك الكنيسة الكاثوليكية منذ عام 1948 بالقرار القائل بتدويل القدس وفقاً لنظام التقسيم 1947 ويؤيد هذا الرأي وجهات نظر محايدة على اعتبار أن القدس مدينة مقدسة للديانات الثلاث لا يجب أن يعطى أحد سلطة السيادة عليها، أو كما عبر البابا عن ذلك (بأن القدس هي رمز لما تمثله دوماً مدينة الله، واحدة حرة للسلم والصلاة وأرض السمو والصعود).
وقد طرح اللورد كارادون (صاحب القرار 242) تصوراً لمستقبل القدس ، يقترح فيه تجزئة القدس إلى مدينتين أحداهما تحت الحكم العربي، والأخرى تحت الحكم (الإسرائيلي)، مع حرية الحركة والاتصال بين المدينتين على أساس الحرية والمساواة والاحترام المتبادل والتعايش السلمي (لتكون القدس بوابة السلام تفتح الطريق أما علاقة جديدة من الاحترام والثقة المتبادلين).
مقابل هذه الفرضيات، تعتبر وجهة النظر المؤيدة للاحتلال (الإسرائيلي)، رغم قبولها بالقرارات الدولية التي تدين هذا الاحتلال، أن البقاء (الإسرائيلي) في القدس قد أصبح حقيقة واقعة، وأن الأقلية العربية أصبحت في طريقها إلى النزوح عن طريق التهديد أو الترغيب أو الاختيار، وتلتقي مع ذلك في وجهة النظر (الإسرائيلية) التي تصر على فرض الأمر الواقع بحجة أنه لا يمكن العودة إلى (الأسلاك الشائكة والحواجز) التي كانت موجودة في الفترة ما بين 1948-1967، وأن (إسرائيل) هي أجدر من يتولى حراسة الأماكن المقدسة، ومنذ بداية الاحتلال والمسؤولون يؤكدون أن قضية القدس ليست موضع بحث على الإطلاق . وأنه لا يمكن العودة عن (توحيد القدس) ويعلنون رفضهم وتجاهلهم لكل القرارات الدولية التي تشجب ضم القدس (لإسرائيل) وسائر الإجراءات التي تغير وضع القدس وطابعها.
إن الحق العربي في القدس، والذي أقرته كل الأجهزة الدولية، لا يمكن أن يخضع للمساومة، وقرار الجمعية العامة في 4 تموز 1967 يعتبر احتلال القدس غير شرعي وبالتالي يرفض السيادة (الإسرائيلية) عليها، في حين أنه أكد على سيادة وحقوق العرب، والتي تشمل حق العرب بممتلكاتهم وضمان أرواحهم وسيادتهم وتحريرهم من التهديد (الإسرائيلي) بطردهم من بيوتهم ومصادرتها. وليس محض صدفة أن قرارات مجلس الأمن الستة، التي تشجب الإجراءات (الإسرائيلية) في القدس، لا تشير إلى القرار رقم 242 رغم أنها كانت جميعها تالية له، لأنه طبقاً لبعض تفسيرات القرار 242 تخضع الحقوق والسيادة على الأرض العربية للمساومة، في حين أن القرارات بشأن القدس جعلت المدينة فوق المساومة، وهذه حقيقة يجب أن لا تهمل.
مع هذا الكسب العالمي، تبدو نقطة ضعف أساسية في الموقف الدولي، فالعرب حتى الآن، لم يحصلوا على إجماع دولي لإجبار (إسرائيل) على إلغاء قرارها الذي كانت قد أصدرته بضم القدس العربية ضماً كاملاً إلى (إسرائيل) وجعلها عاصمة دائمة.
وأخبراً، وفي وسط المناقشات والحلول المطروحة، يبدو أن العالم ينسى أمرين: الأمر الأول أن قضية القدس هي جزء من القضية الفلسطينية. والأمر الثاني الحقوق العربية المغتصبة في (القدس الجديدة) منذ 1948، فالقدس التي نتطلع إليها هي القدس بشطريها القديم والجديد.